Tuesday, 8 April 2014

هجرة اللون..
قد تتشابه آثار أقدام المارة على الطريق, ولكنه كفاح من نوع آخر وبلون آخر في زمن واحد ووجوه مختلفة , ههنا الأبيض هو السيد في رحلة تشوبها حواجز أكبر وأسوارٌ من ماء وقوارب وإحتمال حياة لايزال قائماً وموتٌ في ركنٍ ما ينتظر, والبعض أيضاً ينتظر, وبين الإنتظارين لعلك تعود بالذاكرة الى أول الطريق قبل أن تصل الى هذه الارض وقبل أن تنطق بهذا اللسان .. إنها إحدى الدول الإسكندنافية الواقعة في شمال أوروبا, غرب بحر البلطيق وخليج بوتنيا. هي ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة, ذات مناخ معتدل رغم تواجدها في الشمال، كما تمتلك أربعة فصول متميزة ودرجات حرارة معتدلة على مدار العام, لكن أبناء هذه الأرض يتداولون التعريف المناخي الغير رسمي لها على أنها ذات الشتائيين الشتاء الأخضر وهو فصل الصيف وفصل الشتاء المعتاد. إنها مملكة السويد الأرض المدّهامة الجنان والطبيعة الآسرة والجزر والأنهار, إنها الحلم الذي يسعى إليه اليوم الغالبية العظمى من العرب والسوريين على وجه الخصوص هرباً من ويلات الحرب المندلعة هناك , لكن الصورة المنقولة عن السويد وعن ماتقدمه من مساعدات إنسانية- على انها حقيقية وبشكل حيادي- إلى كل اللاجئين القادمين إليها من تأمين وتوفير فرص إعادة تأهيل وتوطين لا تحمل كل جوانب الواقع, وإنما تكتفي بنقل صورة شبه خيالية تحيد أو تتغاضى بشكل ما عن مايتكبده اللاجئ من المشقة والمعاناة التي يمر بها أي إنسان قُدِر عليه أن يسير في الأرض ترحالاً إلى وطنٍ جديد , وقد صوّر الأمر كما لو أن الملك كارل غوستاف السادس عشر ورئيس الوزراء وأعضاء البرلمان السويدي يقفون يومياً على أرض مطارات البلاد لينثروا على الوافدين الجدد صكوك ملكية لمنازل حيث يشاؤون وجنسية وجوازات سفر وحسابات بنكية مفتوحة الرصيد مع إبتسامة واسعة وعريضة وكلهم أمل بقبول هذه العطايا وعدم رفضها منهم. الأمر الذي يصيب نسبة كبيرة من الوافدين بالخيبة والصدمة لإختلاف توقعاتهم عن الواقع. ربما الأمر ليس بهذا السوء وإنما هي الدعاية الغوغائية المنقولة إلينا عن طريق المغتربين الأوائل والتي قد طبعت في الأذهان بعد مغاير بعض الشيء عن آلية التعامل مع اللاجئ , مايحدث حقيقة أن المتقدم لطلب اللجوء في السويد عليه بالمقام الأول أن تطأ قدماه أرضها حيث تقوم السلطات بأخذ بصماته والتي يتم إدراجها في بنك المعلومات, ومن خلال ذلك يمكن تحديد إذا ماكان المتقدم لديه بصمة في دولة أوروبية أخرى أم لا , وفي حال كان يوجد لديه بصمة وهو مايحدث الآن مع نسبة كبيرة من السوريين القادمين بطرق غير شرعية عن طريق البحر الى إيطاليا على سبيل المثال, الأمر الذي يؤدي الى رفض طلبهم وإعادتهم الى الدولة الأولى حسب إتفاقية دبلن , ويعمد غالبية المتقدمين الى إتلاف جوازات سفرهم أو إخفائها عن السلطات السويدية وهي ميزة تنفع القادمين عن طريق دول أخرى بشكل قانوني دون أن يكون لديهم بصمة أو أن يكونوا حاصلين على فيزا الى السويد بشكل مباشر , تجدر الأشارة الى أنه يحق للشخص التقديم في أي دولة من دول الدبلن إذا أثبت أنه قام بمغادرة دول الإتحاد الأوربي لمدة 3 اشهر ثم عاد مرة أخرى, كما أنه يحق للمرء التقدم بطلب لجوء جديد إذا تمكن من التخفي لمدة تزيد عن ال 6 أشهر في اي دولة من دول الدبلن. وتقديم اللجوء لا يتم في المطارات وإنما عن طريق مركزين أحدهما خاص بالوافدين الذين يمتلكون القدرة على تأمين سكن لهم دون مساعدة السلطات إما بالإيجار أو بمساعدة أقرباء أو معارف لهم مقيمين مسبقاً بالسويد, والآخر لمن يرغب من الجهات المختصة بتأمين سكن له, وهو أمر يلعب به الحظ دورا كبيراً لأن كافة المجمعات السكنية المخصصة للاجئين تكون في الغالب خارج المدن المكتظة والكبيرة وتتركز في المدن والقرى الصغيرة والتي تقع في شمال البلاد غالباً وتتراوح المسافة صعودا عن العاصمة ستوكهولم بين ال 45 كلم حيث يوجد أقرب المجمعات الى ال 1200 كلم, وبناءً عليه تزداد البرودة الى درجات قاسية كلما إتجهنا الى الشمال مع كميات كبيرة من الكثبان الثلجية, ونقلاً عن إحدى اللاجئات المقيمة في سكن يبعد مالايقل عن 900 كلم شمالاً عن إحتواء المساكن في تلك المنطقة على أفقاص حديدية -بداخلها جرس إنذار - للإحتماء من هجمات الدبب القطبية المحتملة الحدوث!! بالإضافة للإنعزال النسبي الذي يعانون منه في تلك المجمعات السكنية نظراً لمحدودية الكثافة السكانية والمتاجر والمقاهي. تمنح العائلات مساكن خاصة بينما يشترك الوافدون الأفراد بسكن جماعي, وهذه المساكن إما أن تكون على نظام الشقق السكنية في عمارات معينة أو تكون في فنادق مخصصة للاجئين, والفارق أن السكن الفندقي يقدم وجبات الطعام الرئيسية للاجئين وبناءً عليه تنخفض المعونة المادية المقدمة لهم, بينما يملك أصحاب سكن العمارات معونة أكبر لتمكنهم من الشراء وطهي مايختارونه من الطعام , يجب الإشارة الى أن السكن الفندقي عرضة لدرجة مرتفعة من السرقات والتجاوزات والشجار فيما بين المقيمين وربما قد يوجد من يقوم بممارسة الدعارة أيضاً. أما بالنسبة للمعونة المادية المقدمة من الجهة المختصة, فبعد سؤالهم المتقدم للجوء إن كان بحيازته أموال أو رغبته الحصول على معونة مادية, ومايحدث هنا أن بعض المتقدمين قد يسئ فهم الفكرة من السؤال ويجيبهم أن بحوزته أموالاً وفي هذه الحالة لا يتم تقديم معونة له أو لإسرته ولكنه خطأ قابل للتدارك فيما بعد بشرحه للمسؤول مما يعيد المتقدم لبرنامج المعونة وإن كان يؤخر بعض الشيء تاريخ حصوله عليها حيث أن المتقدم يحصل على بطاقة بنكية فور تقديمه للطلب ومن هذا التاريخ يتم يومياً وضع مبلغ مايعادل ال 7 يورو أي حوالي ال225 يورو شهرياً للفرد الواحد في حال كان المتقدمون قدموا اللجوء كأسرة أما الفرد العازب فيحصل على 8,50 يورو أي مايعادل ال260 يورو تقريباً, كما يحصل على مبلغ مماثل من يسكن على حسابه الشخصي دون مساعدة الدولة, أما الأفراد والأسر التي تقطن في فنادق اللاجئين فتنخفض معونتهم لتصل الى حدود ال 100 يورو شهريا نظراً لتوفير الفندق وجبات الطعام لهم كما بينا سابقاً, هذه المعونة المنخفضة تكون في مرحلة الموافقة المبدئية على طلب اللجوء والتي نظراً للضغط الكثيف قد تمتد من 4 الى 6 أشهر , وفي حال تجاوزت مدة دراسة ملف اللاجئ ال6 شهور يمنح تصريح عمل مؤقت يستطيع من خلاله العمل ريثما تأتي الموافقة على طلبه. أما بعد الموافقة على منح اللجوء يبدأ الأمر بالإنتقال تدريجيا لمرحلة عملية من التفاعل في المجتمع, يحصل اللاجئ الآن على إقامة دائمة مدتها 5 سنوات ويقدم طلب للحصول على جواز سفر للمقيمين أو بمعنى آخر وثيقة سفر - وهو مايخطئ الأكثرية بالظن بأنه جواز سفر سويدي - يحق له السفر به داخل دول الإتحاد, أما عن الدول التي يتطلب السفر إليها الحصول على فيزا فالإحتمال الأكبر أن لا تعترف به كوثيقة تأهلك لطلب فيزا والسفر إليها. كما أن تكلفة إستخراج هذه الوثيقة على عاتق اللاجئ وهي بحدود ال100 يورو. وبعد ذلك يتم تسجيل اللاجئ بمكتب العمل ويتلقى راتب شهري قيمته 850 يورو للبالغ و100 يورو لمن دون سن ال20 توضع في حساب أحد الوالدين, مقابل إلتزام اللاجئ بدورات تعلم اللغة السويدية ودورات تأهيلية تتناسب بشكل أو بأخر مع دراسته أو خبرته في مجال العمل قبل القدوم الى السويد والمتابعة الدائمة مع المسؤول وتقديم تقرير شهري له, وتستمر الحكومة بتقديم هذه الرواتب والخدمات لمدة عامين فقط ويتوقف الراتب بعد إنقضاء هذه المدة, ويجيب التنويه الى أن التخلف عن حضور دروس اللغة و سوء المتابعة مع المسؤول يؤدي الى خصم من مبلغ المعونة بحدود ال 40 يورو عن كل يوم غياب دون عذر أو اخطار مسبق للمسؤول. في حال حصول اللاجئ على عمل تنقطع المعونة المادية عن الفرد وتقوم الحكومة بدفع 80% من قيمة راتبه الى صاحب العمل خلال أول 6 أشهر وبعد ذلك يتكفل رب العمل بدفع كامل الراتب له . تعد السويد واحدة من أكثر دول العالم تطوراً من حيث الرفاه الاجتماعي, تمتلك البلاد أعلى مستوى من الإنفاق الاجتماعي من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من أي دولة أخرى, بالإضافة إلى ذلك توفر وصولاً شاملاً للتعليم والرعاية الصحية حيث الجميع على قدم المساواة. وتتكفل الحكومة بكافة تكاليف علاج اللاجئ خلال المرحلة المبدئية لدراسة طلب اللجوء أما بعد الموافقة ومنح الإقامة يتعين عليه الدفع من مال معونته حتى قيمة ال 200 يورو أما اذا تجاوزت تكاليف العلاج هذا المبلغ تتكفل الحكومة بالجزء الزائد منه مهما ارتفعت التكاليف. بالنسبة للتعليم فيتم بشكل سريع إلحاق الأطفال اللاجئين ضمن برنامج دراسي بينما البالغين الذين لم ينهوا دراستهم الجامعية فيتعين عليهم تقديم كافة أوراقهم وشهاداتهم الدراسية الثانوية والجامعية لمكتب العمل حيث ترسل لجهات مختصه تقوم بمعادلتها وترجمتها ثم بعد ذلك مراسلة الجامعات لبحث عملية قبول اللاجئ وإستكماله للدراسة, ولكن هذه العملية قد تمتد لفترة تترواح بين 6 و 9 أشهر, ويتوجب على اللاجئ خلالها إستغلال الوقت لتعلم اللغة حتى يصل الى مستوى يؤهله للإلتحاق بالجامعة وهذا سبب إستغراق عملية المعادلة والترجمة كل هذه المدة , هذا بالإضافة لأنه سيتم إعادة الطالب لعدة ساعات دراسية بحدود العام والعام والنصف, وعلى الرغم من انها مدة إنتظار طويلة إلا أن للسويد تاريخ طويل يدعو للفخر في التميز الأكاديمي بجامعاتها المرموقة والتي يعود تاريخها للقرن الخامس عشر. 3 من الجامعات السويدية سجلت بين أفضل 100 جامعة للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم لعام 2011. يقطن العاصمة ستوكهولم حوالي 800 ألف نسمة. بينما ثاني وثالث أكبر المدن هي يوتوبوري ومالمو. ويبلغ عدد السكان نحو 9.4 مليون نسمة, الكثافة تزداد في النصف الجنوبي من البلاد. حوالي 85 ٪ من السكان يعيشون في المناطق الحضرية. ربما لا تكون هذه التفاصيل مشجعة للبعض بأن يتخلى عن كل ما يملك ليدفع لمهرب ما مبلغ 4000 يورو ليصل الى السويد بحراً ويكون عرضة لخسارة حياته أو حياة من يرافقه وهي مأساة تستمر بالحدوث حتى لحظة كتابة هذه السطور , وربما تكون طوق نجاه أمام ما يعانيه البعض, تبقى هذه المسألة نسبية ومتفاوتة القبول والتقدير بين الأفراد, ولكن المعرفة والإدراك لحقيقة ما قد تواجهه وما قد ينتظرك على الضفة الأخرى من الحياة في السويد حتماً يحتاج الى إمعان النظر في الأمر مرة أخرى .

محمد حافظ
Photo: ‎هجرة اللون..
 قد تتشابه آثار أقدام المارة على الطريق, ولكنه كفاح من نوع آخر وبلون آخر في زمن واحد ووجوه مختلفة , ههنا الأبيض هو السيد في رحلة تشوبها حواجز أكبر وأسوارٌ من ماء وقوارب وإحتمال حياة لايزال قائماً وموتٌ في ركنٍ ما ينتظر, والبعض أيضاً ينتظر, وبين الإنتظارين لعلك تعود بالذاكرة الى أول الطريق قبل أن تصل الى هذه الارض وقبل أن تنطق بهذا اللسان .. إنها إحدى الدول الإسكندنافية الواقعة في شمال أوروبا, غرب بحر البلطيق وخليج بوتنيا. هي ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة, ذات مناخ معتدل رغم تواجدها في الشمال، كما تمتلك أربعة فصول متميزة ودرجات حرارة معتدلة على مدار العام, لكن أبناء هذه الأرض يتداولون التعريف المناخي الغير رسمي لها على أنها ذات الشتائيين الشتاء الأخضر وهو فصل الصيف وفصل الشتاء المعتاد. إنها مملكة السويد الأرض المدّهامة الجنان والطبيعة الآسرة والجزر والأنهار, إنها الحلم الذي يسعى إليه اليوم الغالبية العظمى من العرب والسوريين على وجه الخصوص هرباً من ويلات الحرب المندلعة هناك , لكن الصورة المنقولة عن السويد وعن ماتقدمه من مساعدات إنسانية- على انها حقيقية وبشكل حيادي- إلى كل اللاجئين القادمين إليها من تأمين وتوفير فرص إعادة تأهيل وتوطين لا تحمل كل جوانب الواقع, وإنما تكتفي بنقل صورة شبه خيالية تحيد أو تتغاضى بشكل ما عن مايتكبده اللاجئ من المشقة والمعاناة التي يمر بها أي إنسان قُدِر عليه أن يسير في الأرض ترحالاً إلى وطنٍ جديد , وقد صوّر الأمر كما لو أن الملك كارل غوستاف السادس عشر ورئيس الوزراء وأعضاء البرلمان السويدي يقفون يومياً على أرض مطارات البلاد لينثروا على الوافدين الجدد صكوك ملكية لمنازل حيث يشاؤون وجنسية وجوازات سفر وحسابات بنكية مفتوحة الرصيد مع إبتسامة واسعة وعريضة وكلهم أمل بقبول هذه العطايا وعدم رفضها منهم. الأمر الذي يصيب نسبة كبيرة من الوافدين بالخيبة والصدمة لإختلاف توقعاتهم عن الواقع. ربما الأمر ليس بهذا السوء وإنما هي الدعاية الغوغائية المنقولة إلينا عن طريق المغتربين الأوائل والتي قد طبعت في الأذهان بعد مغاير بعض الشيء عن آلية التعامل مع اللاجئ , مايحدث حقيقة أن المتقدم لطلب اللجوء في السويد عليه بالمقام الأول أن تطأ قدماه أرضها حيث تقوم السلطات بأخذ بصماته والتي يتم إدراجها في بنك المعلومات, ومن خلال ذلك يمكن تحديد إذا ماكان المتقدم لديه بصمة في دولة أوروبية أخرى أم لا , وفي حال كان يوجد لديه بصمة وهو مايحدث الآن مع نسبة كبيرة من السوريين القادمين بطرق غير شرعية عن طريق البحر الى إيطاليا على سبيل المثال, الأمر الذي يؤدي الى رفض طلبهم وإعادتهم الى الدولة الأولى حسب إتفاقية دبلن , ويعمد غالبية المتقدمين الى إتلاف جوازات سفرهم أو إخفائها عن السلطات السويدية وهي ميزة تنفع القادمين عن طريق دول أخرى بشكل قانوني دون أن يكون لديهم بصمة أو أن يكونوا حاصلين على فيزا الى السويد بشكل مباشر , تجدر الأشارة الى أنه يحق للشخص التقديم في أي دولة من دول الدبلن إذا أثبت أنه قام بمغادرة دول الإتحاد الأوربي لمدة 3 اشهر ثم عاد مرة أخرى, كما أنه يحق للمرء التقدم بطلب لجوء جديد إذا تمكن من التخفي لمدة تزيد عن ال 6 أشهر في اي دولة من دول الدبلن. وتقديم اللجوء لا يتم في المطارات وإنما عن طريق مركزين أحدهما خاص بالوافدين الذين يمتلكون القدرة على تأمين سكن لهم دون مساعدة السلطات إما بالإيجار أو بمساعدة أقرباء أو معارف لهم مقيمين مسبقاً بالسويد, والآخر لمن يرغب من الجهات المختصة بتأمين سكن له, وهو أمر يلعب به الحظ دورا كبيراً لأن كافة المجمعات السكنية المخصصة للاجئين تكون في الغالب خارج المدن المكتظة والكبيرة وتتركز في المدن والقرى الصغيرة والتي تقع في شمال البلاد غالباً وتتراوح المسافة صعودا عن العاصمة ستوكهولم بين ال 45 كلم حيث يوجد أقرب المجمعات الى ال 1200 كلم, وبناءً عليه تزداد البرودة الى درجات قاسية كلما إتجهنا الى الشمال مع كميات كبيرة من الكثبان الثلجية, ونقلاً عن إحدى اللاجئات المقيمة في سكن يبعد مالايقل عن 900 كلم شمالاً عن إحتواء المساكن في تلك المنطقة على أفقاص حديدية -بداخلها جرس إنذار - للإحتماء من هجمات الدبب القطبية المحتملة الحدوث!! بالإضافة للإنعزال النسبي الذي يعانون منه في تلك المجمعات السكنية نظراً لمحدودية الكثافة السكانية والمتاجر والمقاهي. تمنح العائلات مساكن خاصة بينما يشترك الوافدون الأفراد بسكن جماعي, وهذه المساكن إما أن تكون على نظام الشقق السكنية في عمارات معينة أو تكون في فنادق مخصصة للاجئين, والفارق أن السكن الفندقي يقدم وجبات الطعام الرئيسية للاجئين وبناءً عليه تنخفض المعونة المادية المقدمة لهم, بينما يملك أصحاب سكن العمارات معونة أكبر لتمكنهم من الشراء وطهي مايختارونه من الطعام , يجب الإشارة الى أن السكن الفندقي عرضة لدرجة مرتفعة من السرقات والتجاوزات والشجار فيما بين المقيمين وربما قد يوجد من يقوم بممارسة الدعارة أيضاً. أما بالنسبة للمعونة المادية المقدمة من الجهة المختصة, فبعد سؤالهم المتقدم للجوء إن كان بحيازته أموال أو رغبته الحصول على معونة مادية, ومايحدث هنا أن بعض المتقدمين قد يسئ فهم الفكرة من السؤال ويجيبهم أن بحوزته أموالاً وفي هذه الحالة لا يتم تقديم معونة له أو لإسرته ولكنه خطأ قابل للتدارك فيما بعد بشرحه للمسؤول مما يعيد المتقدم لبرنامج المعونة وإن كان يؤخر بعض الشيء تاريخ حصوله عليها حيث أن المتقدم يحصل على بطاقة بنكية فور تقديمه للطلب ومن هذا التاريخ يتم يومياً وضع مبلغ مايعادل ال 7 يورو أي حوالي ال225 يورو شهرياً للفرد الواحد في حال كان المتقدمون قدموا اللجوء كأسرة أما الفرد العازب فيحصل على 8,50 يورو أي مايعادل ال260 يورو تقريباً, كما يحصل على مبلغ مماثل من يسكن على حسابه الشخصي دون مساعدة الدولة, أما الأفراد والأسر التي تقطن في فنادق اللاجئين فتنخفض معونتهم لتصل الى حدود ال 100 يورو شهريا نظراً لتوفير الفندق وجبات الطعام لهم كما بينا سابقاً, هذه المعونة المنخفضة تكون في مرحلة الموافقة المبدئية على طلب اللجوء والتي نظراً للضغط الكثيف قد تمتد من 4 الى 6 أشهر , وفي حال تجاوزت مدة دراسة ملف اللاجئ ال6 شهور يمنح تصريح عمل مؤقت يستطيع من خلاله العمل ريثما تأتي الموافقة على طلبه. أما بعد الموافقة على منح اللجوء يبدأ الأمر بالإنتقال تدريجيا لمرحلة عملية من التفاعل في المجتمع, يحصل اللاجئ الآن على إقامة دائمة مدتها 5 سنوات ويقدم طلب للحصول على جواز سفر للمقيمين أو بمعنى آخر وثيقة سفر - وهو مايخطئ الأكثرية بالظن بأنه جواز سفر سويدي - يحق له السفر به داخل دول الإتحاد, أما عن الدول التي يتطلب السفر إليها الحصول على فيزا فالإحتمال الأكبر أن لا تعترف به كوثيقة تأهلك لطلب فيزا والسفر إليها. كما أن تكلفة إستخراج هذه الوثيقة على عاتق اللاجئ وهي بحدود ال100 يورو. وبعد ذلك يتم تسجيل اللاجئ بمكتب العمل ويتلقى راتب شهري قيمته 850 يورو للبالغ و100 يورو لمن دون سن ال20 توضع في حساب أحد الوالدين, مقابل إلتزام اللاجئ بدورات تعلم اللغة السويدية ودورات تأهيلية تتناسب بشكل أو بأخر مع دراسته أو خبرته في مجال العمل قبل القدوم الى السويد والمتابعة الدائمة مع المسؤول وتقديم تقرير شهري له, وتستمر الحكومة بتقديم هذه الرواتب والخدمات لمدة عامين فقط ويتوقف الراتب بعد إنقضاء هذه المدة, ويجيب التنويه الى أن التخلف عن حضور دروس اللغة و سوء المتابعة مع المسؤول يؤدي الى خصم من مبلغ المعونة بحدود ال 40 يورو عن كل يوم غياب دون عذر أو اخطار مسبق للمسؤول. في حال حصول اللاجئ على عمل تنقطع المعونة المادية عن الفرد وتقوم الحكومة بدفع 80% من قيمة راتبه الى صاحب العمل خلال أول 6 أشهر وبعد ذلك يتكفل رب العمل بدفع كامل الراتب له . تعد السويد واحدة من أكثر دول العالم تطوراً من حيث الرفاه الاجتماعي, تمتلك البلاد أعلى مستوى من الإنفاق الاجتماعي من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من أي دولة أخرى, بالإضافة إلى ذلك توفر وصولاً شاملاً للتعليم والرعاية الصحية حيث الجميع على قدم المساواة. وتتكفل الحكومة بكافة تكاليف علاج اللاجئ خلال المرحلة المبدئية لدراسة طلب اللجوء أما بعد الموافقة ومنح الإقامة يتعين عليه الدفع من مال معونته حتى قيمة ال 200 يورو أما اذا تجاوزت تكاليف العلاج هذا المبلغ تتكفل الحكومة بالجزء الزائد منه مهما ارتفعت التكاليف. بالنسبة للتعليم فيتم بشكل سريع إلحاق الأطفال اللاجئين ضمن برنامج دراسي بينما البالغين الذين لم ينهوا دراستهم الجامعية فيتعين عليهم تقديم كافة أوراقهم وشهاداتهم الدراسية الثانوية والجامعية لمكتب العمل حيث ترسل لجهات مختصه تقوم بمعادلتها وترجمتها ثم بعد ذلك مراسلة الجامعات لبحث عملية قبول اللاجئ وإستكماله للدراسة, ولكن هذه العملية قد تمتد لفترة تترواح بين 6 و 9 أشهر, ويتوجب على اللاجئ خلالها إستغلال الوقت لتعلم اللغة حتى يصل الى مستوى يؤهله للإلتحاق بالجامعة وهذا سبب إستغراق عملية المعادلة والترجمة كل هذه المدة , هذا بالإضافة لأنه سيتم إعادة الطالب لعدة ساعات دراسية بحدود العام والعام والنصف, وعلى الرغم من انها مدة إنتظار طويلة إلا أن للسويد تاريخ طويل يدعو للفخر في التميز الأكاديمي بجامعاتها المرموقة والتي يعود تاريخها للقرن الخامس عشر. 3 من الجامعات السويدية سجلت بين أفضل 100 جامعة للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم لعام 2011. يقطن العاصمة ستوكهولم حوالي 800 ألف نسمة. بينما ثاني وثالث أكبر المدن هي يوتوبوري ومالمو. ويبلغ عدد السكان نحو 9.4 مليون نسمة, الكثافة تزداد في النصف الجنوبي من البلاد. حوالي 85 ٪ من السكان يعيشون في المناطق الحضرية. ربما لا تكون هذه التفاصيل مشجعة للبعض بأن يتخلى عن كل ما يملك ليدفع لمهرب ما مبلغ 4000 يورو ليصل الى السويد بحراً ويكون عرضة لخسارة حياته أو حياة من يرافقه وهي مأساة تستمر بالحدوث حتى لحظة كتابة هذه السطور , وربما تكون طوق نجاه أمام ما يعانيه البعض, تبقى هذه المسألة نسبية ومتفاوتة القبول والتقدير بين الأفراد, ولكن المعرفة والإدراك لحقيقة ما قد تواجهه وما قد ينتظرك على الضفة الأخرى من الحياة في السويد حتماً يحتاج الى إمعان النظر في الأمر مرة أخرى .

محمد حافظ‎